الخميس، 24 يناير 2013

« خفايا وأسباب تخلّص راشد الغنّوشي من القيادي صالح كركر في حركة النّهضة





يبدو أنّ المرحوم صالح كركر ما زال يشكّل هاجسا لحركة النهضة أو لقسم منها على الأقلّ..وقد علمت « قناة أسطرلاب » من مصدر كان من القريبين من القياديّ الإسلاميّ الراحل أنّ مجموعة من الأوفياء للرجل والذين كانوا يساندونه في صراعه مع الأستاذ راشد الغنوشي يستعدّون للعودة إلى الساحة الإسلامية في البلاد وزادهم تراث الفقيد الفكريّ والسياسي..ويبدو أنّ أوّل الغيث سيكون تجميع مجموعة من المقالات التي كتبها صالح كركر وفيها مراجعات هامّة للفكر السياسي الإسلامي ودعوة واضحة إلى الفصل ما بين الدعوي الديني والمدني السياسي..وفي هذا الإطار بادرت هذه المجموعة إلى نشر نصّ يبيّن خلفيات الصراع بين القيادي الراحل صالح كركر والقيادي المواصل للقيادة راشد الغنوشي..وهذا النص يحمل عنوان: »خفايا وأسباب تخلّص راشد الغنّوشي من القيادي صالح كركر في حركة النّهضة »، وهو بإمضاء مجموعة تطلق على نفسها اسم : « جمع من أعضاء فضاء الحوار من أجل الحريات والديمقراطية في تونس »، وهذه نسخة كاملة من النص ننشره بعد إذن من أحد القريبين من الراحل:

في شهر ماي 1989 يختار راشد الغنوشي الفرار من تونس والتخلّي عن أنصار وأتباع حركة النهضة بعد أن ورّطهم في المواجهة الميدانية والصدام مع أجهزة السلطة. وقف القيادي صالح كركر ضدّ خيار الجبن والغبن بهروب راشد الغنوشي من البلاد وتوتّرت العلاقة بينهما خاصة بعد أن قام صالح كركر بفضح فشل محاولة الانقلاب النهضوي سنة 1991 على نظام بن علي في غياب أطر النّجاح وآليات قيادة البلاد. حاول راشد الغنوشي إلقاء المسؤوليّة على صالح كركر المعروف بمواقفها الراديكالية وشنّ ضدّه حملة تشويهية عبر أزلامه من مرتزقة البترودولار.

في أكتوبر 1993 يجتمع راشد الغنوشي بشلّته الطّائفيّة في ألمانيا ويقرّر طرد غريمه صالح كركر من حركة النهضة إلاّ أنّه كان هنالك عائق في الإعلان عن هذا الخبر : كان وزير الداخليّة الفرنسي شارل باسكوا يقوم بزيارة رسميّة إلى تونس التي رجع منها بقائمة أربعين لاجئا نهضويّا مطلوبين لنظام بن علي وعلى رأسهم القيادي صاح كركر الذي وقع وضعه عند عودة الوزير تحت الإقامة الجبرية في جزيرة أوسّانت دون تسليمه إلى السلطات التونسيّة .

لم يكن هنالك مجال لزيادة الطّين بلّة بعد هذا الإجراء المخابراتي إثر تهميش القيادي صالح كركر .


في نفس السّياق يقوم راشد الغنوشي بنشر قرار طرد صالح كركر من حركة النهضة بعد مدة طويلة من الحسم النهضوي في وضعيّته التنظيميّة… يبقى السؤال المطروح يتمحور حول نوعيّة المقايضة التي قامت بها قيادة حركة النهضة الغنوشيّة في المهجر مع الأجهزة المخابراتيّة الفرنسيّة وعلى رأسها وزير الداخليّة شارل باسكوا للتخلّص من القيادي صالح كركر وتفادي تسليم باقي القائمة المطلوبة للسلطات التونسية؟

في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر 2002 اتخذت حركة النّهضة الإسلاميّة بالمهجر قرارا من أهمّ وأخطر القرارات التي اتخذتها منذ نشأتها. وقد تمثل هذا القرار في فصل صالح كركر من صفوفها التّنظيميّة. والجدير بالذكر أنّ هذا الأخير هو أحد المؤسّسين الثمانية للحركة الإسلامية في تونس ويعتبر بدون منازع الأب التنظيمي للحركة وأحد أهمّ المنظّرين لها ورجل المؤسّسة الأول فيها.

وقد كان أول مسؤول عن المؤسّسة التّنظيميّة بالحركة، وبقي على رأسها طيلة العشريّة الأولى التي عقبت تاريخ التّأسيس. وتحمّل لمدة طويلة نيابة رئاسة الحركة ورئاسة مجلس الشورى فيها ثم رئاسة الحركة سنة 1987 وقاد صحبة ثلّة طيبة من إخوانه المواجهات التي حصلت بين الحركة والسّلطة والتي انتهت بسقوط بورقيبة من الحكم على إثر انقلاب قام به ضده وزيره الأول الجنرال بن علي.

وإذا استثنينا السيد صالح بن عبد الله البوغانمي، أحد المؤسّسين الثمانية، و الذي لا نعرف وضعيّته التّنظيمية الحقيقيّة في الحركة حاليّا، يعتبر السيد راشد الغنوشي، بعد فصل صالح كركر، هو آخر الأعضاء المؤسّسين الذي بقي في الحركة رغم أنّ كلّ المؤسّسين ما زالوا على قيد الحياة.

فهل يعني ذلك أنّ السيد راشد الغنوشي قد حصل بشكل أو بآخر على كلّ أسهم المشاركين له في التّأسيس، وحوّل الحركة إلى ملكيّة خاصّة له أم أن الأمر لا يعدو أن يكون أكثر من مجرّد صدفة بعيدة عن كل إرادة تصفويّة مبيّتة أو غير مبيّتة؟

فمنذ تأسيس الحركة بقي صالح كركر وفيّا لطبيعته كمؤسس، مهموما بمسألة التّجديد والإبداع في الحركة، وجعلها حركة حديثة ومتطوّرة وقائمة على مؤسّسات عصريّة قويّة وعلى أسس علميّة أصيلة، وجعلها متمشّية دائما مع واقع المجتمع، قريبة منه، مستجيبة لمطالبه وهمومه، وهو ما أكسب الحركة شعبيّة واسعة فريدة من نوعها في البلاد.

ولم تكن مهمّة صالح كركر في هذا التّوجه وفي هذه المجالات سهلة فقد واجه منذ وقت مبكّر صعوبات جمّة ومعارضة شديدة من قبل القيادة وأعوانها المقرّبين مما اضطرّه في أكثر من مناسبة إلى الاستقالة من المسؤوليّة التي يتحمّلها. فأمام استحالة التّناغم بينه وبين رئيس الحركة اضطرّ إلى الاستقالة من نيابة رئاسة الحركة، وكذلك من رئاسة مجلس الشورى.

وبعد خروجه من السّجن في شهر أوت من سنة 1984 خرج مصحوبا بورقة أعدّها في السّجن تستهدف تحوير البنية التّنظيميّة للحركة وتقنين مهمّة رئاسة الحركة في اتجاه الحدّ منها وربطها برقابة أشدّ من قبل المؤسّسات وعموم أعضاء الحركة وبالحدّ من عدد التّرشّحات المتتالية لرئاسة الحركة بالنّسبة لنفس الشخص وكان من المنتظر أن تكون تلك الورقة من جملة الورقات التي سيناقشها المؤتمر العام للحركة الذي عقد في شهر نوفمبر من سنة 1984.

ورغم أن الورقة وقع تسليمها من طرف الأخوين صالح بن عبد الله البوغانمي ومحمد شمام للجنة تنظيم المؤتمر إلاّ أنه وقع حذفها عمدا ولم تكن ضمن بقيّة الأوراق المطروحة خلال المؤتمر ممّا تسبّب في ضجّة خلال أعماله كادت تؤول إلى انفضاضه قبل انتهاء أشغاله.

وقد تعرّضت محاولات صالح كركر لتطوير الحركة في اتّجاه المرونة والواقعيّة والانفتاح منذ البداية إلى صعوبات جمّة. وقد حوّل المناوئون هذه الاجتهادات عن وجهتها الحقيقيّة وقدّموها على أساس أنّها مجرّد شكل من أشكال الصراع على القيادة بين كركر وراشد الغنوشي، بينما لم تكن تلك هي الحقيقة.


وبعد فشل مشروع الحركة في مواجهة نظام الجنرال بن علي، وما تسبب فيه ذلك لما يزيد عن الخمسين ألف من أعضائها ومتعاطفيها من معتقلات مع التعذيب الوحشي والذي أدى أيضا بالعديد من العشرات إلى الموت، وإلى أعداد غفيرة أخرى إلى الطرد من الشغل والتجويع، و إلى التشريد والمنافي في كافة أصقاع الدنيا، انتبه صالح كركر إلى فداحة الكارثة و شعر بالأضواء الحمراء تشتعل أمامه من كل مكان وأدرك بحسّه المرهف أنّ الحركة لم يعد يمكنها أن تواصل السّير كما درجت عليه من قبل حصول الكارثة.

فأصدر الصّيحة تلو الصّيحة والنّداء تلو النّداء إلى كلّ أعضاء الحركة وقيادتها مطالبا بالقيام بنقد ذاتي حقيقي صريح وتخلّي القيادة التّاريخيّة عن مهامها القياديّة، وإحداث ثورة جذريّة على فكرة التّنظيم والأهداف والمناهج في الحركة قبل أن يزهد فيها أعضاؤها من داخلها وتفرّ من حولها عنها الجماهير المتعاطفة معها من خارجها. فأصمّت قيادة الحركة كعادتها آذانها وآثرت سياسة الهروب إلى الأمام.

وجدّد المقرّبون من القيادة المباشرة هجومهم على صالح كركر واتّهموه بالتّهافت على افتكاك القيادة من راشد الغنوشي تارة وبتأسيس تنظيم موازي لتنظيم الحركة تارة أخرى، حتّى وضع صالح كركر تحت الإقامة الجبرية بسعي أكثر من طرف على رأسها الجنرال بن علي نفسه. وبإبعاد صالح كركر عن ساحة الفعل تنفّس العديد من المناوئين له من داخل الحركة ومن خارجها الصّعداء وفرحوا فرحة الشامت والمستفيد من هذه المصيبة التي حلّت بصالح كركر. وحسب هؤلاء أن صفحة صالح كركر طويت بدون عودة.

ونسي جميعهم قول الله تعالى: « وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ».


إن المنفى لا يمكن أن يكون في نظر العـقلاء إلا مكروها وشرّا يحل بالإنسان. إلاّ أنّه من حكمة الله أن الشرّ لا يمكن في الغالب أن يكون شرّا مطلقا وإنّما شرّ بيّن يصحبه خير غير بيّن . كما أنّ الخير ليس هو كذلك دائما وإنّما هو خير في ظاهره يصحبه شرّ غالبا ما يكون خفيّا. وقد استطاع السيد صالح كركر أن يحوّل محنته إلى منّة، ويحوّل ضيقه إلى سعة، فاغتنم ظروف عزلته في إقامته الجبريّة؛ اغتنمها في القراءة والبحث والتّأمّل، خاصّة في وضع العالم وتوازناته، وفي وضع المنطقة والبلاد والتّطوّرات التي تمرّ بها. كما اهتمّ على وجه الخصوص بالحركة الإسلاميّة في العالم عموما وتابع مسيرتها منذ تأسيسها، وتوقّف عند أهدافها ومناهج عملها وخطابها على المستوى النّظري وممارساتها في الواقع. كما توقّف أيضا عند علاقة الحركة الإسلاميّة بمسألة الحكم على المستوى النّظري وبالحكام والأحزاب السياسيّة الأخرى في المعارضة على مستوى الواقع.

وقد خرج صالح كركر من كلّ تلك القراءات والأبحاث والتأمّلات باستنتاجات عدّة نذكر منها:

ـ على مستوى الحركة ذاتها الفصل بين ما هو ديني وسياسي فصلا كاملا. فينهض العلماء والأئمّة والوعّاظ والدّعاة والمفكّرون وغيرهم إلى التّشكّل في جمعيّات متنوّعة ومتعدّدة تخدم كلّ ما هو علوم شرعيّة وفكر إسلامي واجتهاد وثقافة ومساجد ودعوة وغير ذلك خارجا عن كل نشاط سياسي يشارك في السّباق إلى الحكم. كما يبقى الباب مفتوحا أمام الرّاغبين في النّشاط السياسي من المقتنعين بالإسلام والفكرة الإسلاميّة للمشاركة في أحزاب سياسيّة عقلانيّة تحترم دساتير ومؤسّسات وقواعد العمل السياسي في بلدانها.

ـ يستحسن تجنّب قيام أحزاب على أساس تطبيق الشريعة بالشّكل الذي هي عليه الآن، على أن تقوم بدلا من ذلك على أساس برامج عقلانيّة تقترب من الإسلام والحماس له وتبتعد عنه بحسب توجّهات وقناعات أصحابها.

ـ تبقى كل الأحزاب السياسيّة القائمة متساوية أمام مسألة الحماس لخدمة الإسلام وتعاليمه دون أن يتميّز أحدها بالوصاية على ذلك. وبناء على كلّ ذلك فالشّعب هو وحده الذي يوزّع ثقته بين الأحزاب كما يشاء وبما يراه مناسبا.

هذا التّوجّه الفكري والاستراتيجي بالإضافة إلى العديد من المواقف السياسيّة والحركيّة لم ترق للقيادة المباشرة على رأس الحركة وحذّرت صاحبها عن طريق المراسلات المكتوبة من مغبّة المواصلة في هذا الطريق ولمّحت له مهدّدة إيّاه إلى إمكانيّة فصله من الحركة في بعض المراسلات إذا ما هو أصرّ على ذلك. إلاّ أنّ ذلك لم يثن صالح كركر عن توجّهه وعن عزمه على السّير فيه إلى نهايته. وقد كان لذلك صداه الكبير داخل الحركة وخارجها، وهو ما زاد من قلق قيادة الحركة ومن حرجها الشّديد.

وقد اجتمعت أسباب عدة أدّت في النّهاية إلى اتخاذ قرار بفصل صالح كركر من الحركة التي ساهم في تأسيسها. من تلك الأسباب تشبّث قيادتها التاريخيّة بموقع القيادة ورفضها تركه، ومنها أيضا رفض القيادة وأعوانها للفكر المقابل ولمناقشته وقلّة صبرها عليه ممّا يشكّك في قدرتها على قبول غيرها من خارجها في صورة تمكّنها من السلطة. ومنها كذلك تغلّب فكرة التّحزّب الأعمى على مفهوم الفكرة في ذاتها لدى القيادة وأعوانها، فالولاء للشّخص والتّنظيم أصبح مقدّما على احترام الفكرة والصّبر عليها ومناقشتها. ومنها غياب المؤسّسات القويّة والتّوازنات القياديّة التي عرفت بها الحركة من قبل. فمعظم قيادات الجيل الأول والجيل الثاني ممّن عرفوا بقوّة شخصياتهم واستقلاليّتها وتنوّعهم الفكري هم في حالة غياب بسبب السّجن والمهاجر والاستقالات بعد نفاد الصبر.

كلّ هذه الأسباب وغيرها أعاقت الحركة من مصداقيّتها وتركت المجال فسيحا أمام القيادة الحالية لتتصرّف كما تشاء في غير رشد ولا حكمة ولا هدى فأخذت قرار الفصل هذا في غير حكمة ولا حنكة سياسيّة ولا هو من حقها مطلقا.

والحيثيات التي اعتمدتها هذه القيادة لاتخاذ قرارها بالفصل هي في الحقيقة لا تصلح لاتخاذه حيث أنّها تمثّل حقوقا لكلّ عضو في حزب سياسي عصري يقوم على مبدأ احترام أفراده وحرّيتهم في التّفكير والتّعبير.

فالجرم الأوّل الذي نسب إلى صالح كركر هو منازعته لمنهج الحركة التّغييري قولا وعملا . ويذكر صالح كركر أنّه منذ وقت طويل أصبحت له مؤاخذات كبيرة على منهج الحركة التّغييري، وعبّر عن ذلك في مؤسّسات الحركة قبل أن ينفى وفي منفاه كتب الورقات الكثيرة وبلغها إلى الحركة إلاّ أنّ شيئا من ذلك لم يؤخذ بعين الاعتبار وانعقد المؤتمر تلو المؤتمر دون أن يسمح لهذه الأفكار أن ترى الضّوء وتناقش.

وكتب في ذلك المقالات العديدة وأرسل بها إلى المراسلة الداخليّة للحركة أملا في أن يطّلع عليها أعضاء الحركة ويناقشوها، فنشر المقال الأوّل والثّاني وقطع الطّريق أمام بقية المقالات. وليس من باب الصّدفة أبدا أن تجاهلت الحركة تجاهلا تاما عضوها المؤسّس صالح كركر وكأنّه وُوري التراب لمدّة سنوات عديدة قبل اتخاذ قرار الفصل.

فالقيادة هي التي مارست قرار الفصل ضدّ صالح كركر منذ سنوات طويلة قبل أن تعلن عنه وليس العكس. والسيد صالح كركر يقول حول هذه النّقطة إنّه يضع الرّأي العام حكما ويتحدّى قيادة الحركة أن تثبت له مادياّ أنها مكّنته من كلّ حقوقه كعضو وأبقت على اتصال تنظيمي طبيعي معه وذلك منذ وقوعه تحت الإقامة الجبرية. فمن مارس الانفصال يا ترى؟ هل أنّ صالح كركر هو الذي مارس انفصاله عمليّا عن الحركة منذ سنين عدّة كما يذكر قرار الفصل الذي اتّخذته القيادة أم أنّ هذه الأخيرة هي التي مارست ضدّه قرار الفصل منذ أمد بعيد وتجاهلت وجوده تماما وتوقّفت عن الاتّصال به في كلّ ما يهمّ سير الأمور الدّاخليّة للحركة وفي كلّ ما يهمّ عقد مؤتمراتها منذ سنة 1993 سواء كان ذلك في ما يتعلّق بالإعداد أو بما أسفرت عنه تلك المؤتمرات.

فهل يعقل أن يعامل عضو تام شروط العضويّة في الحركة بمثل هذه المعاملة الجافّة وبتجميد عضويّته دون اتّخاذ قرار صريح بالتّجميد. ويذكر صالح كركر أنّ أعدادا واسعة من بين أعضاء الحركة المعترضين على القيادة وأساليبها في العمل وممارساتها الغريبة قد عوملوا بهذا الشّكل وفصلوا عمليّا دون أن تصدر فيهم قرارات بالفصل، هذا بالإضافة لأعداد كبيرة أخرى فصلوا بقرارات رسميّة أو قدّموا استقالاتهم من الحركة بعد يأسهم من إمكانيّة تطوّر قيادتها.

ويذكر صالح كركر أنه لم يعلم بفصله من حركته التي ساهم مساهمة فعّالة في تأسيسها إلا بعد مدّة من اتّخاذ القرار ولم يمكّن من أبسط إجراءات الدّفاع عن نفسه. وهذا أسلوب يتنافى مع أبسط شروط مفهوم العدل حتّى لدى القبائل الإفريقيّة حيث يحاط المتّهم علما بالاتّهامات الموجّهة إليه ويحضر لدى محكمة القبيلة ويحضر معه من يدافع عنه وتحترم إجراءات التّقاضي للجميع، وهو ما أهملت احترامه قيادة الحركة التي حددت اتهاماتها لصالح كركر وبتّت فيها سرّا وأصدرت حكمها بالفصل، دون أن تمكّن المتّهم من أيّ حقّ من حقوق الدّفاع.

فهل يعقل أن تؤتمن مثل هذه القيادة على إقامة العدل بين أبناء الشعب في البلاد لو قدر لها أن تصل إلى الحكم؟؟؟


بالنّسبة للطّعن في شرعيّة مؤسّسات حركة النّهضة وفي شرعيّة قيادتها يؤكد صالح كركر بهدوء تام أن لا شرعيّة القيادة والمؤسّسات المنبثقة عن المؤتمر العام أمر مسلّم به لا يحتاج إلى تدليل. فالقيادة الحاليّة للحركة ومؤسّساتها لم يقع اختيارها بأكثر من خمسة بالمائة من أعضاء الحركة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأعضاء المساجين والمفصولين والمستقيلين والمشردين في المهاجر والمغيّبين عمدا من طرف القيادة.

إضافة إلى ذلك الأساليب المتّبعة في تنظيم المؤتمرات التّحضيريّة للمؤتمر العام التي يقع فيها انتخاب أعضاء المؤتمر العام والتي لا تدعو القيادة للحضور فيها إلاّ الموالين لها وقلّة قليلة من المعترضين عليها لا يستطيعون أن يؤثّروا في قرارات تلك المؤتمرات التّحضيريّة شيئا. فكيف يمكن مع كلّ هذه التّجاوزات والممارسات أن يعتبر العاقل القيادة والمؤسّسات المنبثقة عن المؤتمر العام المنظّم بهذا الشكل قيادة ومؤسسات شرعيّة؟

ويذكر صالح كركر أنّ هذه القيادة هي بالفعل غير شرعيّة وهي من جهة أخرى قيادة قد تجاوزها الزّمن وقد غدت منذ مدة طويلة عقبة كأداء أمام تطوّر الحركة وتخلّصها من مختلف سلبياتها ومن الصعوبات التي تعترض سبيلها. فهذه القيادة حسب رأيه قيادة عاجزة ضيّقة الأفق معدومة الطّاقات جنت على الحركة الكثير وهي لا تزال تجني عليها وتعيق مسيرتها. ومن الواجب أن تستقيل هذه القيادة وتريح الحركة من سلبيّاتها المتعدّدة وتفسح لها المجال بذلك للنّهوض بنفسها واختيار قياداتها المناسبة ومواصلة الطريق بشكل بنّاء وسليم يخدم مصلحة الحرّيات الحقيقيّة والدّيمقراطية للجميع في البلاد.

أمّا حول مسألة حلّ الحركة لنفسها فيذكر صالح كركر أنّه ذكر ذلك في إطار مشروع أوسع متكامل ومتناسق. يذكر أنّه اقترح أن تحل الحركة نفسها أي أن حلّ الشّكل التنظيمي الذي هي عليه ماضيا وحاضرا لتتشكل ضمن حركتين. حركة ثقافيّة وفكريّة ودعويّة ووعظيّة واجتماعيّة على أسس تنظيميّة مغايرة تماما ومعلنة في كلّ تفاصيلها وتكون جزءا من المجتمع المدني يقوم على خدمة الشؤون الإسلاميّة البحتة بعيدا عن أي مشاركة في السّباق على السّلطة.

أمّا الحركة الثّانية فيرى صالح كركر أن تكون حركة سياسيّة عصريّة قائمة على برامج عقلانيّة وعلى مؤسّسات عصريّة، مثل كلّ الأحزاب السياسيّة في العالم الحديث. كما يمكن لكلّ من يريد من ذوي القناعات الإسلاميّة الالتحاق بأيّ حزب من الأحزاب السياسيّة القائمة في البلاد ممّن يأنس في التّفاعل مع مبادئها وبرامجها. وهذا هو الوجه الصحيح لوضع حدّ نهائي لاحتكار الصفة الإسلاميّة من قبل الحركة في البلاد وتوظيفها للمسألة السياسيّة في إطار السّباق على السلطة. وهذا من جهة أخرى يضع حدّا للازدواجيّة المقيتة التي قسّمت المجتمع التونسي إلى جزئين متعارضين، إسلامي وغير إسلامي، ويفسح المجال للمجتمع بأسره أن يتطوّر بهدوء وموضوعيّة وواقعيّة في اتجاه معتقده ودينه ويتصالح كوحدة مع ثقافته وهويّته.

وفي العموم فإنّ ما تراه قيادة الحركة كأخطاء فادحة فصلت بموجبها صالح كركر من الحركة التي ساهم هذا الأخير في تأسيسها بقسط وافر، يراها صالح كركر أمورا ملحّة في منتهى الإلحاحيّة من أجل التّجديد والنّهوض بالإسلام وبالسّياسة معا في البلاد.

فهل سيضع قرار الفصل هذا حدّا لهذا التّوجه ويعيق مسيرته، أم على العكس سيزيده زخما وسيدفع بالكثيرين إلى الالتفاف حوله؟ إنّ مستقبل الأيّام هو وحده الكفيل بالجواب الصحيح على هذا التّساؤل.

لكن إلى جانب ذلك هناك ثوابت لا بدّ من التّذكير بها.

أوّلها أن الممنوع هو دائم مرغوب فيه. وقد ساهم المنع والمصادرة على مرّ التّاريخ وفي غالب الأحيان في مزيد الرّواج للفكرة الممنوعة والمضطهدة ولأصحابها، خاصة إذا كانت الفكرة إيجابيّة بنّاءة مندرجة ضمن سنّة التّطوّر والتّجديد التي يقوم عليها الكون وحركة التّاريخ فيه.

أمّا الثابتة الثانية فتتمثّل في كون صاحب الفكرة الجديدة هو دائما في موقع الهجوم بينما المصادر لها والمضطهد لأصحابها هو دائما في موقع الدفاع.

وقد علّمنا التّاريخ أنّ الحروب غالبا ما تحسم لصالح المهاجم حيث يصعب للمدافع أن يربح حربا تدور رحاها على أرضه.

ومن تلك الثّوابت أيضا يمكننا أن نذكر أن البقاء في عالم الأفكار، كما في عالم الأحياء، هو في الغالب لصالح أكثرها وضوحا وواقعيّة واستجابة لمصالح الخلق.

وهكذا فإنّ مسألة فصل صالح كركر عن حركة النّهضة ليست مسألة تنظيميّة تافهة ولا هي مسألة صراع بين شخصين على زعامة حركة ولا هي أيضا مسألة تكتيك سياسي افتعلته الحركة لقضاء بعض المآرب السياسيّة كما يروق للبعض أن يتخيّله. إنّما هي مسألة جوهريّة في منتهى الدقّة والأهميّة، هي مسألة صراع طبيعي ومنطقي بين التّقليد والجمود والانغلاق من جانب وبين التّجديد والإبداع والمرونة والتيسير على الخلق من جاب آخر.

وإذا فهمنا المسألة على هذا الأساس فيصبح بذلك الطريق في هذه المسألة واضحا أمامنا، وكذلك لمن من كلا الطرفين ستكتب الغلبة في النهاية، وهنا لسنا نتكلم على مستوى الأشخاص والأفراد وإنّما على مستوى أهم بكثير، على مستوى الأفكار والتّوجّهات. إلاّ أنّ حصول ذلك سوف لن يكون هيّنا.

ويؤكد صالح كركر تمسّكه بالإسلام كمعتقد ودين للشّعب وكنظام أخلاقي وتربوي فريد في نوعه في بناء النّفس البشريّة الشفّافة والمستقيمة وكمصدر استلهام واستنباط للمجتمع بأسره في كلّ أوجه حياته إذا ما استعمل على أحسن وجه تلك الملكة التي خلقه الله تعالى بها وميّزه بها على بقية المخلوقات، ألا وهي العقل.


جمع من أعضاء فضاء الحوار من أجل الحريات والديمقراطية في تونسالذي يقوم بتنشيطه صالح كركر

0 التعليقات:

إرسال تعليق